مستقبل التقنية والتعلم العميق 
التعلم العميق 

التعلم العميق. قطعت التكنولوجيا شوطًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، خصوصًا من ناحية القوة والموارد الهائلة المُتاحة عبر خدمة الحوسبة السحابية، وكذلك كمية البيانات الضخمة التي يمكن تخزينها في خدمات التخزين السحابية، ومع كل هذا فإن الحواسيب والآلات ما تزال غير قادرة على مطابقة قوة العقل البشري.

قدرتنا على التعلم مع مرور الزمن

ما يجعلنا نحن البشر مميزين هو قدرتنا على التعلم مع مرور الزمن، وذلك باستغلال خبراتنا وذكرياتنا. ما يعني قدرتنا على تجميع المعلومات من العالم المحيط بنا، وقدرتنا على تنفيذ المهام وتعلّم معلومات جديدة.

يُعَد التعلّم العميق Deep learning فرعًا من الذكاء الاصطناعي، يسعى إلى نسخ قدراتنا لتعليمها وتطويرها في الآلات. بمعنى آخر، يسمح التعلم العميق للحواسيب بتلقي معلومات جديدة، وفك تشفير البيانات، ومعالجة المخرجات، كل هذا دون أي مساعدة بشرية.

هذا المجال لديه آثار ضخمة لتقنية المستقبل، بما فيها السيارات ذاتية القيادة، وأنظمة التعرف على الوجه، والطب الشخصي، وغير ذلك.


الهدف النهائي من التعلّم العميق هو تعليم الحواسيب التعرف على النمط المثالي إذا أعطيناه مجموعةً من البيانات غير المنظمة. يُعَد العالم الواقعي مثالًا على البيانات غير المرتبة

الكثير من الأشياء حولنا مثل السماء والأشجار والناس، تستطيع الحواسيب التعرف عليها دون مساعدة الإنسان. الأمر بسيط إذا كانت الحواسيب قادرةً على إخبارنا أي نمط من البكسلات pixels يُشكل إنسانًا، وأي نمط يُمثل شجرة، وأي جزء من الصورة تظهر فيه السماء.

على مقياس أكبر، يمكن استخدام قدرة تمييّز الأنماط هذه في مجالات أخرى. مثلًا في السيارات ذاتية القيادة، يستطيع الحاسوب التعرف على إشارات المرور، وكيف يركن السيارة بطريقة مناسبة. في الطب، خوارزميات التعلّم العميق تستطيع التعرف على الصور المجهرية للخلايا وتحديد إصابتها بالسرطان أو خلوها منه.

التعلم العميق لديه نفس أهداف التعلم الآلي أساسًا، الذي يتعاظم دوره كثيرًا في التقنيات الحديثة. لكن التعلم الآلي محدود من ناحية البيانات التي يمكنه استيعابها، مثلًا يمكنه التعرف على الكثير من الأشياء في الصور، لكن للأسف لا يمكنه أن يستوعب عالمًا ثلاثي الأبعاد، وذلك لا يصب في مصلحة تصنيع سيارات ذاتية القيادة.

أما التعلم العميق فيوفرّ عالمًا افتراضيًّا غير محدود للتعلم، أي أننا نظريًّا سنتمكن من تجاوز قدرات العقل البشري ذات يوم. وهذا بسبب مجموعة الخوارزميات التي يستخدمها التعلم العميق وتُسمى شبكات عصبية neural networks.

مطابقة عمل العقل البشري

سُميت الشبكات العصبية بذلك لأن الغاية الأساسية منها محاكاة عمل الخلايا العصبية في دماغ الإنسان. هذه الشبكات تُصنَع من 3 طبقات رقمية: الطبقة الداخلية، والطبقة الخارجية، والطبقية المختفية.

الطبقة الداخلية هي سلسلة من الخلايا العصبية الرقمية التي يمكنها (رؤية) المعلومات المدخلة في الحاسوب. يُمكن أن تعمل الخلية العصبية عندما يكون الضوء الظاهر في الصورة أخضر، وتعمل خلية أخرى مثلًا عند ظهور شكل معين. توجد آلاف من الخلايا العصبية في الطبقة الداخلية، وكل منها يعمل عند رؤية شكل معين في أثناء تدفق المعلومات.

الطبقة الخارجية تُخبر الحاسوب ماذا يفعل استجابةً لما رصدته الطبقة الداخلية، ففي السيارة ذاتية القيادة مثلًا تتحكم هذه الخلايا في زيادة سرعة السيارة أو إيقافها أو تشغيلها.

يكمُن السحر الحقيقي في الطبقة المختفية، التي تتلقى الإشارات العصبية من الطبقة الداخلية وتُعيد توجهيها لتشغيل الخلية الخارجية المناسبة، وتحتوي على آلاف أو ملايين العصبونات، وكل منها متصل بالعصبونات المحيطة بها داخل شبكة.

يتضمن التعلم العميق تزويد الحاسوب بصورة أو نمط أو موقف معروف للحالة المطلوب إخراجها. في أثناء التعلم يكون كل اتصال بين خلية عصبية وأخرى إما تعزيزًا أو إضعافًا للاتصال، اعتمادًا على مدى قرب المخرج الفعلي للشبكة من المخرج المقصود في الأساس.

تكرار تلك العملية ملايين المرات يسمح للشبكة بتقوية اتصالاتها، التي تستنتج المخرجات المطلوبة، وتضعف المخرجات البعيدة عن النتائج المطلوبة. النموذج النهائي هو تعلم بيانات جديدة، وتمييز الأنماط، وإنتاج المخرجات المطلوبة بناءً على تلك الأنماط دون مساعدة بشرية.

مستقبل التقنية والتعلم العميق 

يَعِدُنا التعلم العميق بالكثير من التقنيات الذكية، مثل السيارات ذاتية القيادة التي تستعمل خوارزميات التعلم العميق، والمزيد التطبيقات الأخرى في عالم الأعمال وغيره.

مثلًا قد يكون للتعلم العميق أثرًا كبيرًا في عالم الأموال، فقد تستخدمه البنوك للمساعدة على حماية حسابات مستخدميها (مثلًا إذا كنت غالبًا تدخل إلى حسابك البنكي من منزلك باستخدام جهاز حاسوب معين، ثم حاول أحدهم من مدينة أو دولة أخرى تسجيل الدخول من جهاز حاسوب مختلف، ستكتشف الخوارزمية ذلك وتحمي حسابك).

كذلك قد تستخدم البنوك خوارزميات التعلم العميق في اكتشاف عمليات الاحتيال أو غسيل الأموال، أو توقع أسعار الأسهم.

من التطبيقات الأخرى للتعلم العميق أنظمة التعرف على الوجه. وفيها يحتاج الحاسوب إلى العمل على نطاق واسع لتصبح التقنية قادرةً على تمييز الوجوه بدقة، مثلًا إذا حلقت رأسك أو ازددت سُمرةً أو إذا وضعت مكياجًا.

تتدرب الخوارزميات على صور لوجهك، ما يمكنها من التعرف عليك مهما كنت تبدو مختلفًا، فالمهم هو حماية حساباتك وأجهزتك.

أيضًا قد يساعد التعلم العميق العلماء على توقع الزلازل والكوارث الطبيعية. إذ يرصد الاهتزازات الطفيفة في المناطق المعرضة للزلازل، ويتدرب على أنماط الهزات السابقة، ومن ثم يميز حدوث زلزال مشابه، فيطلق صافرات الإنذار.

تستمر تقنيات التعلم العميق في التطور، وتزداد تقنياتها تطورًا وإثارةً للإعجاب. ونحن إذ نعلم الحواسيب تمييز الأنماط، سيكون دورنا الرئيسي هو اكتشاف الطريقة المثلى لاستخدام التعلم العميق من أجل فائدة حياتنا ومجتمعاتنا.