كشف عن حياة في محيطات المشتري

ماذا لو كانت هناك حياة موجودة في أحد المحيطات الباردة المظلمة بقمر أوروبا Europa التابع للمشتري؟ ربما تتمكن مهمة ناسا القادمة من الإجابة على هذا التساؤل، إذ ستنطلق رحلة المركبة الفضائية المسماة أوروبا كليبر Europa Clipper في منتصف عقد 2020 كما هو مُخطط، وهذا لدراسة خصائص هذا القمر الثلجي وما يقبع تحت أسطح بحاره، ودراسة قابليته لاستضافة الحياة، ولكن من المُتوقع أن تحقق البعثة اكتشافات أعظم من تلك إن سارت كل الأمور وفقًا لما هو مُخطط لها.

قال روبرت بابالاردو Robert Pappalardo أحد علماء المهمة بمختبر الدفع النفاث لدى ناسا: «هذه مهمة لدراسة قابلية الحياة، فنحن نحاول أن نفهم هل تصلح بيئة أوروبا للحياة أم لا؟ لن تكون هذه المهمة بغرض البحث عن الحياة، ولكن إذا وُجد عدد من الكائنات الدقيقة العضوية داخل سطح القمر، فربما نتمكن من القول إجمالًا إننا نستشعر وجود حياة هنا، وهذه آمال بعيدة، لكنها ليست مستحيلة».

كان بابالاردو يُشير إلى القياسات التي ستُجرى بواسطة مطياف الكتلة الخاص بالمركبة، وهو واحد من تسعة أجهزة علمية ستحملها المركبة، والذي سيحدد كتل الأيونات في عينات منبعثة من سطح القمر ليساعد العلماء على تحديد ماهيتها، وستجمع المركبة هذه العينات خلال تحليقات عدة حول القمر أوروبا من مدارها حول كوكب المشتري خلال فترة عملها التي ستستغرق ثلاثة أعوام ونصف، فالدوران حول القمر وحده لن يكون خيارًا صالحًا بسبب البيئة المُشعة حول القمر كما أوضح أعضاء الفريق بالمهمة.
ستُجمع هذه العينات من الغلاف الجوي المُحيط بالقمر على أمل أن يكون مُحتويًا على بعض أعمدة البخار والمواد الأخرى المنبعثة من السطح الثلجي للقمر، والتي رصد العلماء بعض الأدلة عليها ولكنهم لم يحسموا أمر وجودها بعد.
قال بابالاردو: «سنبحث في بداية المهمة عن الأبخرة لنحاول أن نفهم هل هي حقيقية وموجودة؟ وأين توجد؟ وهل تحدث في صورة متقطعة، أم هي مستمرة الحدوث؟

وربما سيصدف أن ندخل بالمركبة إلى أحد هذه الأعمدة البخارية، أو ربما سنتمكن من تعديل مسار المركبة المداري إليه، وعندها ستُهيأ الفرصة للأجهزة الموجودة بالمركبة -خاصةً مطياف الكتلة وكاشف الغبار- من جمع العينات بدقة متناهية للبحث عن أي مواد عضوية، ولفهم التركيب الكيميائي الداخلي لأوروبا بشكل مُفصل».

أشار بابالاردو إلى أن أبخرة أوروبا -إن وُجدت- ربما ستكون مختلفة بشكل كبير عن الأعمدة البخارية المؤكد انبعاثها من منطقة القطب الجنوبي لقمر زحل الثلجي إنسيلادوس Enceladus، وتنطلق أبخرة إنسيلادوس من الينابيع العنيفة التي تثور لتطلق المواد من المحيطات الباطنية للقمر إلى الفضاء، وأضاف بابالاردو أن المواد المنبعثة من أوروبا يمكن أن تكون قادمة من محيطات القمر، ولكنها أيضًا ربما تكون مصدرها البحيرات المائية السائلة الموجودة تحت القشرة الثلجية المغطية لسطح القمر.

وشدد بابالاردو على أن جمع وفحص هذه العينات لن يكون الهدف الرئيسي للمهمة قائلًا: «ستكون هذه الدراسات مهمة إضافية بشكل أساسي، ولن تكون من مهام المركبة الرئيسية، ولكنني بالتأكيد آمل أن ننجح بها».

ستتضمن الأجهزة الأخرى المحمولة على المركبة كليبر، والتي تعمل بالطاقة الشمسية في مهمتها التي تبلغ التكلفة الكلية لها 4 مليارات دولار: مقياس المغناطيسية، وجهاز رادار ليساعد الفريق على فحص خواص محيطات القمر وقشرته الثلجية بشكل مفصل
يظن العلماء أن محيطات القمر أوروبا قد تصل إلى عمق 80 كيلومترًا، ويبلغ سُمك قشرته الثلجية 20 كيلومترًا، ولكنها مجرد تقديرات للعلماء، وبالتأكيد ستكون هناك اختلافات عنها في بعض المناطق
في حال مررت بسرعة على هذه المعلومة بخصوص عمق محيطات القمر أوروبا؛ فيجب أن تتريث قليلًا، فهذا العمق كبير جدًا بشكل مذهل، إذ تبلغ أعمق نقطة تحت سطح البحر على كوكب الأرض 11 كيلومترًا فقط بعرض 3 كيلومترات.

بالرغم من أن حجم القمر أوروبا أصغر من حجم قمر الأرض، فإنه من المُعتقد أن يحتوي على مياه تقدر كميتها بضعف كمية المياة الموجودة على سطح كوكب الأرض!

يعتقد العلماء أيضًا أن محيطات أوروبا تتصل بالنواة الصلبة للقمر (اللب)، وهذا يسمح بحدوث العديد من التفاعلات الكيميائية المعقدة والمثيرة للاهتمام، ولهذا يعتبر أوروبا من أفضل الأماكن المُعتقد وجود حياة بها في المجموعة الشمسية.

وتتضمن القائمة الصغيرة لهذه الأماكن القمر إنسيلادوس والقمر الضخم تيتان Titan التابعين لكوكب زحل، وهذا لوجود محيطات هيدروكربونية على سطحه، ويُعتقد أيضًا بوجود محيط مائي سائل مدفون تحت سطحه.
أضاف بابالاردو أيضًا أن المركبة ستحمل مجموعة من آلات التصوير القوية، التي ستلتقط صورًا لسطح القمر بدقة تبلغ نصف متر لكل بيكسل، وهذه دقة أكبر بعشر مرات من أفضل الصور الموجودة حاليًا لسطح القمر أوروبا والمُلتقطة بواسطة المركبة غاليليو التابعة لناسا والتي دارت حول المشتري من عام 1995 إلى 2003.

بالإضافة لكون هذه الصور كاشفة وواضحة لسطح القمر، ستساعد أيضًا في تمهيد الطريق للمهمة القادمة في استكشاف القمر أوروبا، وهي مركبة فضائية هابطة على سطح القمر للبحث عن أشكال الحياة، وقد أوصى الكونغرس الأمريكي ناسا بتطويرها، وستقدم مهمة المركبة كليبر المعلومات للباحثين ليعرفوا أفضل الأماكن المناسبة لهبوط المركبة المستقبلية. وقد أشار المسؤولون بوكالة ناسا أن مهمة الهبوط هذه ما زالت قيد الدراسة، وغير مُدرجة في جداول خطط ناسا بشكل رسمي بعد.

تنوي ناسا منذ فترة طويلة أن تطلق مهمة أوروبا كليبر خلال عام 2023، وأوصى الكونغرس وكالة ناسا أن تستخدم نظام الإطلاق القوي الخاص بها والمعروف بنظام الإقلاع للفضاء، والذي سيسمح للمركبة أن تطير مباشرةً إلى المشتري لتصل هناك بعد مدة تبلغ 2.4 سنة من التحليق، ولكن نظام الإقلاع للفضاء ما زال قيد التطوير، وقد واجه العديد من التأجيلات مع الارتفاع الشديد في تكاليفه.

بالإضافة إلى نية ناسا لاستخدام أول ثلاثة صواريخ بالنظام لبرنامج أرتميس لاستكشاف القمر، ولهذا سيكون أول صاروخ بهذا النظام متاحًا في عام 2025 على الأقرب، وفقًا لما صرح به مكتب المفتش العام بناسا، وأوصى المكتب أنه على ناسا أن تلجأ في هذه المهمة لأحد الصواريخ التجارية مثل صاروخ فالكون الثقيل التابع لشركة سبيس إكس SpaceX، أو صاروخ دلتا 4 الثقيل التابع لائتلاف الإطلاق المتحد، ولن تكون هذه الصورايخ التجارية بنفس القوة المتوقعة من صواريخ نظام الإقلاع للفضاء.

سيستوجب ذلك تغيير مسار المركبة لمسار آخر يتضمن الاستعانة بجاذبية أحد الكواكب من خلال مناورة مساعدة الجاذبية (الاندفاع بالجاذبية)، ما سيجعل الرحلة إلى المشتري تستغرق ست سنوات وفقًا لتقرير مكتب المفتش العام.