فيلم عائلة ميكي يفضح الاسر المصرية

كان العنوان السابق لفيلم عائلة ميكي قبل عرضه هو “الأسرة المثالية”، وهو مباشر جدا وغير تجاري، رغم أنه يبلور المفارقة التي يعتمد عليها الفيلم في بنائه الدرامي، وهي أن هذه الأسرة المرشحة لجائزة الأسرة المثالية ليست مثالية على الإطلاق، بل هي صورة مصغرة لمجتمع يواجه مشكلات عديدة.

لكن تغيير اسم الفيلم إلى “عائلة ميكي”، وميكي هو آخر عنقود الأسرة؛ أعطى العنوان بُعدا ساخرا وعُمقا عبثيا نابعا من طرافة اسم ميكي وارتباطه بالمواقف الكرتونية الأقرب للخيال، لكنها في الحقيقة تحدث في واقعنا المعاصر.

ربما تأتي أهمية الفيلم من أن النماذج الخمسة للأولاد التي قدمها من خلال هذه العائلة “المثالية” لا تكاد تخلو منها أسرة مصرية؛ إما مجتمعة أو متفرقة.

فالابن الأكبر ضابط شرطة يكره عمله، ويتمنى لو دفع 100 ألف جنيه واستقال، ويتجلى كرهه لوظيفته من خلال مواقف ساخرة، مثل فقدانه سلاحه في الحجز، أو هرب أحد المتهمين منه نتيجة طيبة قلبه.

وعلى مستوى العائلة؛ فهو يستغل خلو الشقة إلا من جدته العمياء ليحضر صديقته كي يمارسا الجنس قليلا، أما الأصغر منه والملقب بالمعجزة فهو رغم تفوقه الدراسي والتحاقه بكلية الهندسة إلا أنه يرسب عامين متتاليين، ويكذب على الأسرة، مدعيا أنه صار في السنة الرابعة، ويقضي وقته في لعب “البلاي ستيشن” أو على القهوة. والشاب الأصغر منهما في الثانوي العام وهو مهووس بالكرة ولديه ميول عدوانية تدفعه إلى مصادقة شاب بلطجي لحمايته من الخناقات التي تسببها مباريات الكرة المدرسية.

أما أختهم الوحيدة، والتي تمثل شريحة هامة جدا من فتيات الأجيال الحالية في عمر السادسة عشرة؛ حيث تشعر أنها مهملة من الأسرة وصديقها الوحيد هو الكمبيوتر الذي تجلس عليه بالساعات لتتعرف على شباب، وتحضرهم إلى البيت لاقتناص لحظات من الحنان المفتقد، أو إسكات فورة المشاعر خلال مرحلة المراهقة، إضافة إلى كونها نموذجا للتمرد في هذه المرحلة العمرية، فإحساسها بالنقص شكليا وجسمانيا يدفعها دائما إلى الكذب على أصدقائها أو إحداث الوقيعة بينهم.

وأخيرا ميكي؛ وهو طفل صغير “معفرت” لا يكف عن المزاح وعمل المقالب وقذف البيض من النافذة على المارة والسيارات.

“بيت العيلة”

أحداث الفيلم تدور في يوم كامل في حياة هذه الأسرة، وهو اليوم الذي يسبق تقييم مستواها لحصولها على الجائزة؛ حيث نتعرف من خلاله على تفاصيل حياة الأسرة، بداية من رب العائلة لواء الجيش الغائب دائما عن المنزل، والذي ليس له حضور سوى من خلال شعارات أو جمل خطابية مثل: (بابا بيحبكم) أو (التربية مسؤولية ماما).

بل نجد أن أقصى اهتمام للأب هو اهتمامه بالتأكد من أن القط الذي تربيه العائلة خالٍ من الأمراض، وهي سخرية درامية موفقة من السيناريو، حيث إن الأولاد يعانون من مشاكل أكبر وأخطر بكثير من مجرد نظافة قط يعيش معهم.

أما الأم التي قدمت دورها الفنانة لبلبة باقتدار وتمكن واستيعاب شديد لكل الانفعالات الدرامية الظاهرة والباطنة، فهي مديرة شؤون قانونية بإحدى المصالح الحكومية، وهي التي تحمل عذاب ومعاناة اكتشاف مشاكل الأولاد وخطورتها، ثم تقف في النهاية عاجزة عن حلها لأن المشكلة ليست في الأسرة نفسها، ولكن المشكلة في المجتمع بأكمله.

شخصيات منحلة

قراءة هذا الفيلم تستلزم الوقوف على طبيعة الشخصيات المحيطة بالأسرة، فصديقة الضابط التي تأتي لممارسة الجنس رغم أن مظهرها يوحي بأنها ليست عاهرة وإنما هي جزء من منظومة الانحلال الأخلاقي في المجتمع.

أما الشاب الذي يأتي لشقة العيلة لكي “يحضن” ابنتهم بناء على طلبها لتشعر بالحنان معه، وهو نموذج معروف وموجود بكثرة في غرف الشات والفيس بوك؛ حيث يملك من الجرأة والتهور ما يدفعه للذهاب إلى شقة فتاة لا يعرفها ربما يواجه هناك مشاكل كبيرة مثل التي واجهها ماندو صديق الأخت الصغرى.

هناك أيضا نماذج أصدقاء معجزة الذين يمارسون معه حالة العبث بالمستقبل والمداراة على رسوبه المستمر، وهناك نموذج البلطجي الشاب الذي يُهدي أحد الأبناء مطواة ليدافع بها عن نفسه.

وأخيرا المُحكم الرئيسي في مسابقة الأسرة المثالية، والذي يطلب من الأسرة في النهاية أن تدفع رشوة لكي تحصل على الجائزة فقد أصبحت المثالية تُشترى ولا تُكتسب، وهي ذروة درامية مهمة للفيلم تضع خطوطا كثيرة أسفل الأفكار والمواقف التي طرحها خلال أحداثه.

خباثة الموهبة

يعتبر أكرم فريد أحد أشهر مخرجي أفلام المقاولات خلال السنوات الأخيرة، وهو الذي قدم تجارب مثل “حاحا وتفاحة” و”أيظن”، ولكنه في “عائلة ميكي” يثبت أن كل موهبة حقيقية تتمتع بقدر من الخبث الإيجابي، وهو تمكنها من مراكمة خبرات جيدة حتى من التجارب السيئة أو السلبية.

وميكي هو أول فرصة حقيقية تمنح لهذا المخرج الموهوب تقديم شكل بصري جيد وإخراج كوميدي ذي رؤية وإيقاع وفهم كامل لطبيعة الموضوع، فرغم أن 60% من مشاهد الفيلم تدور في شقة العيلة؛ إلا أن استخدامه الكاميرا المحمولة التي تتابع الشخصيات في حركتها جعلنا نشعر باتساع رقعة الشقة، وجنبنا الملل البصري الذي ينتج عن الأماكن المغلقة.

كما أنه وازن بشكل جيد بين المشاهد الخارجية التي تقوم بتهوية الفيلم بصريا وبين مجموعات المشاهد الداخلية، كما لعب الديكور عاملا جيدا في تقديم هذه الأسرة، سواء على المستوى الاجتماعي أو المادي؛ حيث من البداية تعرفنا على أن الشقة في عمائر مصر الجديدة القديمة، وتجولنا مع الشخصيات في الغرف، وتعرفنا على الديكور الكلاسيكي والصور القديمة التي تشير إلى أن سكان الشقة من أصول محترمة، وبالتالي ينتمون اجتماعيا وماديا لبقايا الطبقة المتوسطة، وهي أهم طبقة يمكن من خلالها تشريح مجتمع طبقي مثل المجتمع المصري.

غير أن ما يعيب الفيلم حقيقية هو خروج الكثير من ألفاظ اللغة الشبابية المستخدمة عن حدود اللياقة -ولن نقول الأدب- وهي سقطة تمثل جهلا بالفرق ما بين الواقعية اللغوية وبين اللياقة الفنية التي لا تخدش أذن أو ذهن شرائح كثيرة من الجمهور. مثل كثرة استخدام لفظ “وساخة” بشكل مفرط، بالإضافة إلى لفظ “فشخ” وهو لفظ قبيح في العامية المصرية -رغم وجوده بشكل عادي في العامية الشامية مثلا- ولكن دلالته سيئة في لغة الشارع المصري.

لقد كان الأنضج والأكثر لياقة أن يحكّم صناع الفيلم حساسيتهم الفنية في استخدام مثل هذه الألفاظ تبعا لشرائح الجمهور الذي يتوجهون إليه.