حديث طالبان.. تقية أم ازدواج هوية؟

[ad_1]

ربما أثار تعجب بعض المراقبين والمهتمين بالشأن الأفغاني، استضافة المجلة العربية “الصمود”، والتي تصدر عن المركز الإعلامي لإمارة أفغانستان الإسلامية، “طالبان”، وفي أكثر من مناسبة، للقاضي الشرعي لتنظيم القاعدة في سوريا عبدالله المحيسني.

في الوقت الذي تؤكد فيه التزامها بشروط اتفاقهم مع الولايات المتحدة، من بينها منع أي جماعة راديكالية مسلحة من استخدام الأراضي الأفغانية كقاعدة للتخطيط لشن هجمات على الولايات المتحدة وحلفائها، إلا أن المتابع للمجلة الشهرية التابعة لطالبان، والتي تشرح أفكار الحركة ومواقفها وعقائدها السياسية والفكرية والشرعية، منذ صدورها في العام ٢٠٠٦ وحتى اليوم، يدرك جيداً مدي عمق الإرث والتاريخ المشترك الذي يجمع ما بين طالبان والقاعدة وباقي الحركات الثورية الإسلاموية في “قندهار” وخارجها، بالإضافة إلى أهداف الحركة وطموحها السياسي، الذي يقف حائلاً دون فك الارتباط عن تنظيم القاعدة وباقي الجماعات المسلحة.

وكما بدأت مجلة “الصمود” أول عدد لها في مطلع العام ٢٠٠٦ بكلمة لزعيم حركة طالبان ومؤسسها “الملا عمر” يرثي فيها “الزرقاوي” قائلا: “نعتبر الأخ المجاهد أبو مصعب الزرقاوي بطلاً من أبطال الأمة الإسلامية وكذلك فارس من فرسان الإمارة الإسلامية…”.

وبسلسلة مقالات للقيادي في تنظيم القاعدة “أبو يحيي الليبي” بعنوان “حقيقة ما يجري وراء القضبان”، ويقصد بها فترة اعتقاله في سجن باغرام الأميركي عام ١٤٢٦، وكذلك المنظر الشرعي للقاعدة يوسف العييري وغيرهم من أسماء مختلفة.

تستقطب اليوم كافة الكتاب المحسوبين على السلفية الجهادية وقيادات الجماعات الراديكالية المسلحة في سوريا وليبيا والعراق والصومال وشخصيات راديكالية مصرية وجزائرية وموريتانية وخليجية.

مثل المنظر الجهادي الشهير السوري “أبو بصير الطرطوسي”، والسعودي – السروري “سعد الفقيه”، والكويتي – التحريري “حاكم المطيري” والأردني منظر السلفية الجهادية “أبو محمد المقدسي”، وغيرهم.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن مجلس إدارة المجلة الذي يتولاه مجلس الشورى القيادي لحركة طالبان، قد اختار “سعد الله البلوشي” مدير تحرير للمجلة منذ ٢٠١٦، وهو أحد مقاتلي الحركة وعمل مترجما للمقاتلين “الأفغان العرب” عناصر تنظيم القاعدة والجهاد في معسكرات قندهار، وكاتب مخضرم في المجلة.

ولفهم حركة طالبان وتحولاتها من حركة وطنية – قومية إلى أخرى أممية – ثورية، عمدت “العربية.نت” إلى رصد كافة أعداد مجلة “الصمود” منذ صدور عددها الأول إلى يومنا الراهن، وحاولنا التواصل عبر البريد الإلكتروني بإدارة تحرير المجلة لمنحهم فرصة الرد ولم يبلغنا أي إجابة حتى حين نشر التحقيق، الذي نتساءل فيه عن هوية حركة “طالبان” اليوم ومشروعها في عيني مجلتها “الصمود”؟

مجلة “الصمود”

يتولى رئاسة مجلس إدارة المجلة “حميد الله أمين” ورئيس تحريرها “أحمد مختار” وذلك منذ التأسيس، وظهر “مختار” في صورة خلال اجتماع لأعضاء مكتب “طالبان” المفاوض في العاصمة القطرية الدوحة.

وأسرة التحرير مكونة من كل من “إكرام ميويندي” و”صلاح الدين مومند” و”عرفان بلخي”، وجميع هذه الأسماء شاركت في الكتابة بشكل رئيسي على صفحات المجلة منذ ولادتها، كما أن جميع هذه الأسماء هي مجرد كنى حركية لإخفاء هويتهم الحقيقة.

حافظت مجلة الصمود ومنذ عددها الأول في مطلع العام ٢٠٠٦ على ذات رئيس مجلس الإدارة مع تغيرات تحريرية وفنية، ففي العام ٢٠١٣ أعلنت عن أسماء أسرة التحرير ومسؤول الإخراج للمجلة وهو “فداء قندهاري “، لتحدث تغييرات في العام ٢٠١٦ طالت رئيس التحرير واسمه أحمد شاه “حليم”، وصعود “سعد الله البلوشي” أحد أعمدة أسرة التحرير إلى منصب مدير تحرير المجلة، وتعيين مخرج فني جديد وهو “جهاد ريان”.

يتولى “أمير خان متقي” الاشراف على مجلة الصمود العربية وباقي إصدارات الحركة بلغات متعددة، واسمه مدرج على قوائم الإرهاب التابعة للأمم المتحدة.

كان “متقي” قد كلف بمنصب وزير التعليم في نظام طالبان سابقاً، وممثلها في المحادثات التي قادتها الأمم المتحدة مع الحركة قبيل سقوط نظام طالبان، وشغل أيضاً منصب وزير الثقافة والإعلام وعضو المجلس الاقليمي والمجلس الأعلى لحركة طالبان حتى٢٠٠٧ ، ويشغل حالياً منصب رئيس المكتب السياسي لحركة طالبان في العاصمة القطرية الدوحة وعضو الفريق المفاوض. وتجدر الإشارة إلى أن كل ما يتم نشره في المجلة يعرض مسبقاً على زعيم حركة طالبان لإقراره وإعطاء أوامر الفسح بالنشر.

وتعرف المجلة نفسها بأنها مجلة “مجاهدة داعية”، تتولى نشر الكلمات الرسمية لأمير الحركة والبيانات المتعلقة بالعمليات العسكرية ومعسكرات التدريب، وصور لعملياتها ونشر مقابلات لقيادات من حركة طالبان ومقاتليها، ولعناصر من تنظيم القاعدة، بالإضافة إلى مقالات تعبر عن التوجه الفكري والسياسي والشرعي للحركة.

وهدف المجلة، وبحسب ما عبر عنه وزير الثقافة والإعلام والمؤسس للهيئة الإعلامية بعد سقوط “الإمارة” والمسؤول العسكري في ولاية ننجرهار “قدرة الله جميل”، في حوار نشره رئيس تحرير المجلة “أحمد مختار” في العدد (٢٣) ٢٠٠٨، هو خوض المعركة الإعلامية بين “الإسلام والكفر..”، والحؤول دون “تشويه الجهاد وإخراج الفكرة الجهادية والفدائية عن أذهان المسلمين لذا هم يسمون الجهاد إرهابا ويسمون هذه الفريض بأسماء شيطانية..”.

كما تهدف إلى “الدفاع عن الحقيقة والدفاع عن المظلومين والمنهكين.. وآزرت الشعب الأفغاني في كل معاناته ولم تغفل عن الشعوب المسلمة الآخرين الذين يعانون من الاحتلال والأعداء الظالمين، مثل الشعب الفلسطيني والشعب السوري ومسلمي بورما وغيرهم…”، عدد المجلة (٨٥) مايو-يونيو٢٠١٣، السنة الثامنة.

مدير تحرير المجلة “سعد الله البلوشي”

أحد مقاتلي الحركة ومترجم للمقاتلين المهاجرين “العرب”، ومدير تحرير المجلة. ألف “البلوشي” كتابين أحدهما بعنوان “صراخ المجد” في العام ١٤٣٩، جمع فيه مقالاته السابقة في المجلة، وقدم للكتاب بناء على طلب منه شخصياً، “أبو الوليد المصري” (مصطفى حامد) وهو صهر سيف العدل، (يقيمان حاليا في طهران)، وهو أحد رفاق “أسامة بن لادن” وأحد المقربين من “سراج الدين حقاني” وتولى كتابة سيرته ونشرت عبر صفحات مجلة “الصمود”، إلى جانب كون “أبو الوليد المصري” أحد الكتاب الدائمين في صفحات المجلة منذ سنوات.

اللافت أنه وبحسب ما كتبه “أبو الوليد المصري” وشرحه في تقديمه للكتاب، اعتذر عن تلبية دعوة “البلوشي” بالانضمام إليه في أفغانستان للمساعدة في إدارة المجلة، قائلاً: “أعتذر إليك عن تأخري بمشاغل الحياة، وعقبات الصحة وبشيء من الكتابة من على الضفة الأخرى (يقصد إيران) التي تقف فيها أنت (أفغانستان) فارساً يحمل بندقية بيد وقلمه باليد الأخرى”.

أما الكتاب الثاني “لسعد الله البلوشي” فقد جاء بعنوان “من نجوم الإسلام في بلاد الأفغان” شعبان ١٤٣٧، وكان رصداً لمقالاته السابقة في المجلة في صفحة شهرية بعنوان “قوافل الشهداء” تناول شخصيات مختلفة شاركها القتال وتنفيذ العمليات المسلحة، وممن نفذوا عمليات انتحارية من بين هذه الأسماء، عدد من عناصر تنظيم “القاعدة والجهاد” من شخصيات خليجية وعربية .

من بينها قصته مع “أبو عزام المكي” والذي جاء ذكره كذلك في مجلة القاعدة “طلائع خراسان”، قتل عام ١٤٣٢، و”أبو دجانة المكي” الذي انضم إلى صفوف تنظيم القاعدة ١٤٢٧ في معسكر “برافشة” ويقول في ذلك: “البلوشي انضم مع مجموعة من الإخوة العرب استقبلناهم بحفاوة بالغة وزاد فرحنا عندما عرفنا بأنهم اخواننا العرب”، العدد (٨٨) لمجلة الصمود سنة ٢٠١٣.

قدم لهذا الكتاب أحد منظري السلفية الجهادية وهو “هاني السباعي” الذي قال فيه: “إنه كتاب تراجم وسير المجاهدين الصالحين الذين استشهدوا أو ماتوا على ثرى أفغانستان المعاصر”.

استهل “البلوشي” كتابه بسرد سيرة زعيم ومؤسس حركة طالبان “الملا محمد عمر”، تلاه سيرة مؤسس وزعيم تنظيم القاعدة “أسامة بن لادن”.

وتحدث رئيس تحرير المجلة “أحمد مختار” في مقدمة كتاب “البلوشي”، عن لقائه بزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، قبيل ١١ سبتمبر، وما دار بينهما لإجراء مقابلة معه تنشر عبر صفحات المجلة.

مجلة “الصمود” الإعلام المقاوم

يتبنى مدير تحرير المجلة “البلوشي” ما وصفه بمشروع “الإعلام المقاوم” بغرض: “تقوية الروح المقاومة بين المسلمين وتحريضهم”، (الإعلام المقاوم هو وصف مستعار من أدبيات الثورة الإسلامية الإيرانية تبناه حزب الله اللبناني وحماس وحركة أنصار الله الحوثية).

ووفقا لتعريفه يتلخص في المشاركة “بالمقاومة الجهادية حتى عندما يكون الجهاد في البلاد الإسلامية المحتلة غير متاح، فعندما نعمم أخبار المجاهدين في بلادنا وفي العالم أجمع باللغة العربية أو الإنجليزية أو غيرهما من اللغات، فإننا نسهم بالجهاد الإعلامي، ونصبح مرآة حية للجهاد على الأرض، وعندما نحاجج وندحض من يشككون في المقاومة الجهادية وجوداً وعملاً، ندعم المجاهدين على الأرض.. وعندما نرفض الاعتراف بما يسمى المقاومة السلمية (العملية السياسية) في ظل الاحتلال، فإننا نخلق أفضل الظروف السياسية والإعلامية لاستمرار المقاومة الجهادية، ودعمها ولتحقيق مقاصد الجهاد”.

ويؤكد في مقالته أنه “لا سبيل لإقامة الوحدة الإسلامية العالمية إلا بالجهاد بالبيان والسنان على حد سواء، لأن الجهاد في سبيل الله يهيئ السبيل للإعلام الإسلامي أن يقول كلمته، وهذا الإعلام لا يقوم إلا في مجتمع مسلم وفوق أرض يحكمها الإسلام”.

وفي مقال آخر له بعنوان “الجهاد يفتح أبوابه لمن يطرقها”، شدد البلوشي على أن سبل “الجهاد متاحة وطرقه مفتوحة في وجه كل من أراد الجهاد، شريطة أن يلقي الأعذار الواهية والتأويلات الكاسدة وراء ظهره وينطلق للجهاد في سبيل الله”.

وذلك كما حدد عبر “التواصل مع المجاهدين المتواجدين على الشبكة العنكبوتية، ويساعدهم فيما هم بحاجة إليه أن كان ذا مال، فعن طريق المال، وإن كان خبيراً في حرفة أو مهنة، فعن طريق تلك الحرفة أو المهنة أو هو كاتب فيكتب لهم ويؤلف… وكل ذلك ليزيل عنه خصلة النفاق والشقاق..”.

“طالبان” أطماع أممية أم حركة وطنية؟

بعد استقرار قيادات طالبان والقاعدة في كل من إيران و باكستان، أو في المناطق الحدودية بين باكستان وأفغانستان، وتأمين مقار آمنة بعيداً عن ضربات التحالف، جاء تدشين مجلة “طالبان” الناطقة بالعربية “الصمود” عام ٢٠٠٦، متزامناً مع تدشين تنظيم القاعدة مجلتها “طلائع خراسان”.

بالمقابل افتتح زعيم القاعدة أسامة ابن لادن العام ٢٠٠٦ برسالة صوتية له، وذلك بعد عام من الغياب عن وسائل الإعلام، وأكد على تواجده وأيمن الظواهري والملا عمر، مذكراً بالحرب ضد الإسلام والمعركة بين الغرب والعالم الإسلامي في الشيشان والصومال وفلسطين وأفغانستان والعراق.

كانت هذه الرسالة الصوتية عبارة عن بداية لتدشين مرحلة جديدة أكثر تشابكاً وارتباطاً بين تنظيم القاعدة وطالبان، منصهرتين في خطاب فكري واحد، وغايات وسياسة واحدة، ومتلخصة بما يسمي “الوحدة الإسلامية العالمية”، داعياً من أجلها زعيم طالبان “الملا عمر” في أعداد السنة الأولى للمجلة وحتى وفاته، إلى النفير العام للجهاد في أفغانستان ومقارعة “جيوش الصليب” أينما وجدت.

وقال في ٢٠١٠: “إن المحنة التي يواجهها اليوم شعوب أفغانستان والعراق وفلسطين هل هي مشكلة تخص هذه البلاد فقط؟ يا إخواننا المسلمون، كما أننا نشترك في الدين والعقيدة والقيم والثقافة والمصالح، فلنشترك في الآلام والآمال والأفراح والهموم والموالاة والمعاداة، فتعالوا وساهموا في التخفيف من آلام إخوانكم المسلمين بالنفس والمال..”.

كما اعتبر “ملا برادر عبد الرحمن”، نائب الإمارة الإسلامية، أن الجهاد في أفغانستان ليس مسؤولية طالبان وحدها بل هو فريضة واجبة على كل مسلم في وجه الأرض، مضيفاً في الحوار الذي أُجري معه في عدد الثامن للمجلة ٢٠٠٧ أن “إمارة أفغانستان الإسلامية خندق كل مجاهد، مهما تكون جنسيته، وحفظ هذا الخندق أمانة في عنق كل مسلم، وهي في نفس الوقت مأوى للمسلمين في العالم”.

وساهمت المجلة العربية لحركة “طالبان” في تحفيز هجرات جديدة من “المقاتلين العرب” إلى أفغانستان والتي ظلت وسيلة هامة لترويج ما يعرف بـ”العولمة الجهادية” أو المشروع الأممي للطالبان بالتعاون مع تنظيم القاعدة.

وهو ما أطلق عليه “أبو عبد الرحمن سلطان خير”، وهو اسم حركي، في مقال نشر في العدد (٧٧) سبتمبر ٢٠١٢ بعنوان “العالمية الإسلامية في مواجهة العولمة العالمية”.

وكفل هذا التحالف بإخراج طالبان من صفتها كحركة مقاومة وطنية – قومية، إلى أخرى باسم “الجهادية العالمية”، حتى أصبحت “الامارة الإسلامية” مظلة جامعة لكافة أحزاب وتيارات الإسلام السياسي الراديكالية وأذرعها المسلحة، وتعزيزاً لهذا الدور باتت القضية “الفلسطينية” من أولويات الحركة، فتحرير “القدس” لن يكون إلا عبر أفغانستان حسب ما نشرت صفحات المجلة في عددها (١٤٢ ) يناير ٢٠١٨ وجاء بعنوان “من أفغانستان إلى القدس”، ومقال آخر “لإكرام الدين ميوندي” بعنوان: الجهاد في سبيل تحرير المسجد الأقصى المبارك واجبنا الديني وفريضتها الفطرية على القطع اليقين، السنة الرابعة، العدد (٤٧) مايو ٢٠١٠ ، قائلا: “لا نجاة لسفينة الإسلام إلا بالجهاد المقدس، وما ترك الجهاد قوم إلا أذلهم الله… لا شك أن نداء العلماء الربانيين وخطبهم لتحرير القدس والأقصى وسائر البلاد الإسلامية لها وقع في القلوب المؤمنة… إلا أن الحكام المسلمين اليوم هداهم الله اثاقلوا إلى الأرض، ورضوا بالحياة الدنيا، واكتفوا بعقد اجتماعات وإصدار بيانات، فلم يبقَ لنا معشر المسلمين أمل إلا في الطائفة المنصورة…”.

وباستمرار خطاب “الطالبان” أو “الإمارة الإسلامية”، لا يتوجه إلا إلى “الشعوب العربية والمسلمة” فاصلة بذلك ما بين “الشعوب” وبين الأنظمة والحكومات أو كيان الدول العربية والاسلامية.

ماذا يجمع بين القبعة “القندهارية” و”الغيفارية”؟

اليوم وبعد مضي أكثر من ١٥ عاماً على طباعة مجلة “الصمود”، لا تزال تحافـظ على ذات خطها التحريري وخطابها وبالرغم مما يظهره مكتب الحركة التفاوضي من خطاب سياسي براغماتي.

فهي لا تتوانى عن تأييد أي جماعة أصولية راديكالية ترفع السلاح لأداء ما تصفه بـ “الجهاد المقدس” من أي مكان كانت وأي جنسية حملت، تماماً كما استضافت مقاتليها على أرض “الإمارة الإسلامية” ودون جواز أو هوية.

وهنا نطرح تساؤلاً: لماذا غلب “الزي القندهاري” على الجماعات الأصولية المسلحة في جميع أنحاء العالم بصرف النظر عن الجنسيات واللغات والقوميات؟

من هذه اللقطة المظهرية التي اتفقت عليها بشكل ضمني كل الجماعات الأصولية الراديكالية، تبرز صورة المشروع الأممي الذي تسعى له “الإمارة الاسلامية”، بمعية الجماعات الراديكالية المسلحة وفي مقدمتها تنظيم القاعدة بكافة ولاياته من اليمن إلى الصومال ومالي والجزائر وسوريا وبورما وكشمير وغيرها.

وتصبح “قندهار” للراديكاليين الإسلامويين من العرب تحديداً، قاعدة ثورية أممية كما “هافانا” لدى ثوريي الماركسية من إفريقيا وآسيا وأميركا ومحطة للميليشيات اليسارية المسلحة.

ولتجمع القبعة “القندهارية” و”الغيفارية”، النضال الفدائي والثورية الأممية المتزمتة لكنها مع “إمارة طالبان” بصورة عربية وإسلامية، وذلك كله على حساب الجانب المحلي، ويرضي الأفغان أنهم الأساس وقاعدة للتغيير وسدنة الخلافة.

يبين ذلك ما جاء في مقال “تيسير محمد تربان”، باحث في الشؤون الشرعية والسياسية، بعنوان “لهذا ستظل طالبان للوحدة الإسلامية عنوان”، والمنشور في العدد (١٤٢) يناير ٢٠١٨ ، قائلاً: “تعيش حركة طالبان حرباً ضروساً ضد أميريكا وحلفائها، الذين تكالبوا على أفغانستان ليقضوا على جذوة الجهاد المنبثقة منها لأرجاء الأمة الإسلامية، بعد أن أيقنت أن أفغانستان هي الحاضنة للجهاد في سبيل الله وقوته الصاعدة الواعدة بقيادة طالبان، حيث كانت هي المركز والملتقى للمجاهدين في العالم، فكانت تمثل الملاذ الآمن للاجتماعات العامة والخاصة والتي تتناول هموم المسلمين وتوسيع نطاق الجهاد للدفاع عن الأمة ودينها فكانت كدار الأرقم..”.

أما “شهاب الدين غزني” فيؤكد في مقاله المنشور في العدد (٣٣) مارس ٢٠٠٩ ، بعنوان: “حركة طالبان نظرية إسلامية ذات جذور عميقة”، انتقال الحركة من حدودها المحلية إلى أخرى شمولية، ومما جاء في المقال: “كان يعتقد الكثيرون أنها حركة محلية، وستتخلى عن أهدافها بتغيير الظروف والأحوال وستسقط عن العروج التي وصلت إليها، ولكن إبان العقد الكامل من تأسيسها، اتضحت مثل الشمس في رابعة النهار، بأنها ليست حركة محلية بل حركة عالمية بلغت شعاعها الآفاق، ووصلت آثارها إلى ما وراء النهر وجبال قفقاز الشاهقة وجزيرة العرب، وأن على عاتقها قيادة المسلمين في العالم، وأن خطوطهم الجهادية ترتبط بها تماما… وأن هذه الفكرة الروحية المقدسة التي تعيش في زاوية عن جمال العصر وزينته، تقود في نفس الوقت الحركات الإسلامية في الأفق، وأن دافعها الرئيسي هو عمق تلك النظرية التي تحمل في طياتها أصوات الشعوب المظلومة والأمم المستضعفة وتناصره… وأن أمنيات تلك الشعوب مرتبطة بها وهي بدورها تعتبر الوسيلة الوحيدة لإعادة عزها واستقرار الأمن في بلدانها”.

وفي سبيل تحقيق الرؤية أو الأطماع الأممية للحركة الأفغانية الراديكالية جاء التأكيد على فلسفة “الجهاد والإعداد” كأحد الدعائم الأساسية لفكر طالبان، بحسب مقال نشر باسم “عبد الوهاب الكابلي” في العدد (٤٩)، يوليو ٢٠١٠، منتقداً ما وصفه بالموقف السلبي للجماعات الإسلامية من الجهاد والقتال قائلاً: “هناك الكثير من الجماعات الإسلامية تدعي العمل للإسلام ولكنها تتخذ موقفا سلبيا من الجهاد والقتال في سبيل الله، حيث تعتبره مجموعة من الطقوس تؤدي، وأدعية تقرأ.. أو بسبب عدم اخلاص ولائها لدين الله أو بسبب اعوجاج في فهم الإسلام..”.

وأضاف: “هناك نوع آخر من الجماعات الإسلامية تتغنى بذكر الجهاد في سبيل الل،ه ولكنها تكتفي به في إطار الشعار فقط، ولا ترغب في تقديم التضحيات والخروج الي ميادين القتال.. وإذا رفضت حكوماتها الجهاد أو حاربت أهله فإنها سرعان ما تتخلي عن ذكر الجهاد بتجديد ولائها للحكومات الديمقراطية أو الملكيات العلمانية…”.

وعن تصور طالبان عن “الجهاد”، قال: “إن الجهاد في نظر طالبان ليس كفاحا سياسياً أو عملاً حربياً عسكرياً يقام به لتحقيق الأهداف القومية أو المكاسب الوطنية والغايات الدنيوية، كما أنه ليس حرباً لتحرير الوطن من الاحتلال الأجنبي، ليحكمه طواغيت وطنيون على غير ما أنزل الله بل هو عبادة الله تعالى… وليس مجرد قتال بلا هدف.. فالجهاد المسلح في هذا الزمن ليس فرض عين فحسب بل هو ضرورة طبيعية فطرية للمظلومين ليدفعوا به الشر عن أنفسهم.. فالعودة الي الجهاد ضد الكفار المحاربين ومصالحهم في البلاد الإسلامية ليست فريضة فقط، بل هو العلاج الطبيعي الوحيد لرفع الظلم الواقع على المسلمين…”.

وبالنسبة لطالبان فالعالمية المنشودة أو الطموح الأممي للإمارة لن يتحقق الا بفرض الوصاية على كافة التنظيمات والجماعات الثورية العربية والإسلامية، متلخصة بمنح مساحة جغرافية في أفغانستان مقابل تقديم البيعات سواء أكانت عامة أو خاصة.

بذلك تستطيع الحركة أولا: ضمان انصياع الجماعات والتنظيمات لأوامر الإمارة في الداخل الأفغاني وتوظيفها في معاركها المحلية، وثانيا: أن تمنح نفسها صفة الأب الروحي لـ” الجهاد المقدس” الكوني، فأصبح كل عنصر من عناصر هذه التنظميات أكان في الهند أو الصين أو اليمن أو سوريا أو العراق أو الصومال، هو ” جندي ” للإمارة.

ويوضح سياسة الحركة ما جاء في رسالة نائب الإمارة الإسلامية ومشرف الشورى القيادي “ملا أختر محمد منصور” بعنوان: “الشيخ أبي بكر البغدادي وإخوانه المجاهدين”، والتي نشرتها مجلة ” الصمود” في العدد (١١١) يوليو ٢٠١٥ ، بالتزامن مع صعود تنظيم “الدولة” في أفغانستان.

وعرض منصور، على “البغدادي” وتفاديا لما وصفه “بالفتنة”، الإذن له “بالجهاد” في صف الإمارة الإسلامية، واعتبر أن “أية جماعة أو صف آخر في مقابل صفها، عملا مخالفا لمصالح الإسلام والجهاد والمجاهدين”.

وفي سبيل التأكيد على شرعية الإمارة الإسلامية عمد “ملا أختر” إلى تذكير ” البغدادي” بالبيعات الشرعية التي اكتسبتها قائلا :”إن قيادة الإمارة الإسلامية قد عينت بانتخاب شرعي وبمبايعة (١٥٠٠) علم شرعي (شورى أهل الحل والعقد وقام بتأييد هذه الإمارة الشرعية عدد من علماء وفقهاء العالم الإسلامي وقادة المجاهدين كالشيخ حمود بن عقلاء الشعيبي وكالشيخ أسامة بن لادن رحمهما الله تعالى وكان قد بايعها… وإن الإمارة الإسلامية من منطلق الأخوة الدينية لا تنوي إلا الخير لكم ولا تريد التدخل في شؤونكم ، وتتوقع بالمقابل منكم التعامل بالمثل..”.

وأضاف: “إن أبطال الجهاد المعاصر مثل إمام المجاهدين الشيخ عبد الله عزام وقائد المجاهدين الشيخ أسامة بن لادن وقاهر الصليبيين أبو مصعب الزرقاوي وهازم الملحدين خطاب، رحمهم الله تعالى جميعهم، كانوا يعتزون بالتتلمذ في مدرسة أفغانستان الجهادية”.

الربيع العربي من منظور إمارة طالبان الأفغانية

انسجاماً مع اهتمام زعيم القاعدة بأحداث ما سمي بالربيع العربي، وآلية الدور الذي يتوجب على قيادات تنظيمه القيام به، كثفت مجلة ” الصمود” من المقالات والكتابات لدعم “الثورات” في تلك البلدان، إضافة إلى إيفاد مقاتلي القاعدة والجماعات المسلحة لدعم “الحراك الثوري الإسلامي”.

وكتب “محمد ياسين الحسني”، اسم حركي، في عدد المجلة (٨٨) سبتمبر ٢٠١٣ مقالا بعنوان “جرائم دعاة الديمقراطية في مصر”، ووجه فيه الجماعات الإسلامية المصرية بإحياء الجهاد في مصر ردا على الإطاحة بحكم جماعة الإخوان قائلاً: “لنا في أفغانستان أسوة، قد أحيا الشعب الجهاد بكل معانيه. إن الجهاد هو الذي يمحو الشعارات الزائفة… إن ما يجري في مصر أكبر هجوم على الإسلام إنها ضربة الجاهلية الأخيرة للإجهاز على الإسلاميين، وإن مصر لن تخرج من المأزق إلا بإحياء الجهاد في سبيل الله”.

وعن ليبيا كتب “سيف الله هروي” في العدد (٦٧) ديسمبر ٢٠١١، مقالا بعنوان “ليبيا من عمر المختار رحمه الله إلى ثورة ١٧ فبراير لعام ٢٠١١”، وعن فلسطين، كتب الهروي “انتفاضة السكاكين وضرورة الجهاد لتحرير القدس” في العدد (١١٦) نوفمبر ٢٠١٥.

وفي مقال آخر للكاتب نفسه “الهروي” حول الانقلاب في تركيا، كتب “مؤامرة أحبطتها صيحات التكبير” في العدة (١٥٦) العام ٢٠١٦، يصف إفشال الانقلاب على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان “بالنصر الإلهي”.

إضافة إلى الصومال وتأييد “حركة الشباب المجاهدين” التابعة للقاعدة، في موضوع بعنوان “الصومال هدف الطاغوت العالمي أميركا القادم”.

ومقال آخر بتأييد عملية تنظيم “الدولة – داعش” في فرنسا بعنوان “عجيب أمر دنيانا”، كتبه “عبد الله المنيب”، اسم حركي، في العدد (١١٧) ديسمبر ٢٠١٥، قائلاً: “هذا الشاب الذي يقوم في أوروبا ويستهدفهم في عقر دارهم مجاهد باسل وأسد من أسود الإسلام ولقد خاب وخسر من ظن سوى ذلك..”.

أخيراً ومن خلال ذلك وما تتبناه وتدعو له حركة ” طالبان” عبر ما يقارب ٢٠٠ عدد من مجلة ” الصمود”، يثور تساؤل: هل حقا “طالبان” قادرة على بناء علاقات صحية مع دول الجوار والعالم وعدم تحويل أفغانستان إلى بارجة لإطلاق الحروب على الآخرين؟

[ad_2]