في العام الماضي، كتبت روز كاليمبا مقالا في مدونتها تحدثت فيه عن معاناتها الكبيرة من أجل حذف مقطع فيديو، يصور تجربة اغتصاب تعرضت لها عندما كانت في عمر 24 عاماً، من موقع مشهور للأفلام الإباحية.
وقد اتصل بها في أعقاب ذلك عشرات الأشخاص ليقولوا لها إنهم ما زالوا يواجهون المشكلة نفسها في أيامنا الراهنة.
تحذير: تسرد هذه القصة أحداث اعتداء جنسي عنيف
توقفت الممرضة عند المدخل المؤدي إلى غرفة روز في المستشفى والتفتت إليها لتقول بصوت مرتجف: “آسفة لما حدث لك.. ابنتي أيضاً تعرضت للاغتصاب”.
اللاغتصاب
نظرت روز إلى الممرضة، قدرت أن عمرها لا يتجاوز 40 عاماً.
عادت بذاكرتها إلى الصباح الذي أعقب الاعتداء عليها، وإلى محادثاتها مع الشرطي والطبيب اللذين بديا مجردين من الإحساس. لقد استخدم الجميع عبارة (المزعوم) عند الإشارة إلى الاعتداء العنيف الذي تعرضت له، ووصفت لهم كيف تواصل لساعات في الليلة السابقة.
لم يصدق معظم أقربائها ما تعرضت له باستثناء والدها وجدتها. ولكن مع الممرضة، كان الأمر مختلفاً تماماً، “لقد صدقتني” تقول روز.
وكان ذلك بصيص أمل: أن ترى شخصا يقدر معاناتها ويعرف ما حدث لها. وشعرت بموجة من الارتياح وبأنها يمكن أن تبدأ بالتعافي من آثار تلك التجربة القاسية.
ولكنها واجهت مشكلة مع انتشار فيديو الاغتصاب الذي شاهده مئات الآلاف من الناس، ولم تحظ منهم بأي تعاطف.
وبعد مرور 10 سنوات، بدأت روز كاليمبا بتمشيط شعرها الأسود الكث أمام مرآة الحمام، ولف أطرافه بأصابعها لتشكيل حلقات طبيعية.
لم يكن الحال هكذا في الأشهر التي تلت الاعتداء. كان عليها تغطية جميع المرايا في منزلها بالبطانيات، لأنها لم تكن تتحمل رؤية نفسها فيها.
الاعتناء بنفس
روز الآن في الـ 25 من العمر، وقد نظمت روتيناً للعناية بنفسها في حياتها اليومية. فاهتمامها بشعرها مثلاً، واحدا من النشاطات التي تمارسها ضمنه. ويكاد تمشيط شعرها وتسريحه، الذي يستغرق جهداً ووقتاً طويلاً، يستحيل إلى نوع من التأمل لديها. وتعلم روز أن شعرها جميل، ويثني الناس على جماله طوال الوقت.
واعتادت أيضا على أن تعد لنفسها، في كل صباح، قدحا من الكاكاو، وهو نوع نقي من الشوكولاتة تعتقد أنه يتمتع بصفات علاجية، ثم تبدأ في تدوين أهدافها اليومية في دفتر مذكراتها، وتكتبها بصيغة الحاضر وليس الماضي عمداً.
تكتب “أنا سائقة ممتازة”، وهذا واحد من الأهداف، أو “أنا متزوجة من روبرت وسعيدة بذلك” أو “أنا أم رائعة”.
أثناء الجلوس لتبادل أطراف الحديث، تترك روز شعرها ينسدل على كتفيها ليغطي معظم جسدها.
نشأت روز في بلدة صغيرة في ولاية أوهايو، ولم يكن غريبا، كما هي الحال بالنسبة لمعظم الفتيات في عمرها، أن تتمشى وحدها مساءً قبل وقت النوم، للاستمتاع بالهواء النقي وبرهة من السكينة. وهكذا بدأ ذلك المساء في صيف عام 2009.
ولكن، فجأة ظهر من وسط العتمة رجل أمامها وهو يحمل سكيناً، وأجبرها على ركوب سيارة تحت التهديد.
كان يجلس في مقعدها الخلفي رجل آخر يبلغ من العمر نحو 19 عاماً. بدا وجهه مألوفاً لها وسبق أن رأته في الحي.
اقتادها الرجلان إلى منزل في الجانب الآخر من البلدة وتناوبا على اغتصابها على مدار 12 ساعة، بينما قام رجل ثالث بتصوير أجزاء من حادث الاعتداء.
ظلت روز في حالة صدمة، وكانت تتنفس بصعوبة. لقد تعرضت لضرب مبرح وطعنت في ساقها اليسرى، وكانت ملابسها مغطاة بالدماء. وفقدت الوعي غير مرة.
وفي مرحلة ما أثناء تعرضها للاعتداء، أخرج أحد الرجال حاسوباً محمولاً وأراها فيديوهات لاعتداءات على نساء أخريات.
سكان أمريكا قبل هجرة الأوروبيين
تقول روز “أنا من أثنية من السكان الأصليين” (في إشارة إلى سكان أمريكا قبل هجرة الأوروبيين إليها) و”كان المهاجمون من البيض ولهم بنيات قوية بشكل واضح. وبعض الضحايا كُنّ من البيض أيضا، لكن الكثير من الضحايا النساء كنّ ملونات”.
ولاحقاً بعد أن استعادت وعيها، هددها أولئك الرجال بالقتل. وحاولت استجماع شجاعتها للتحدث معهم طالبة منهم إطلاق سراحها مقابل أنها لن تكشف عن هوياتهم، قائلة لا شيء سيحدث لكم ولن يعرف أحد بالأمر.
فأعادها الرجال إلى السيارة، ليلقوا بها في أحد الشوارع على بعد نحو نصف ساعة سيرا على الأقدام من منزلها.
وعند وصولها إلى مدخل باب منزلها، رأت نفسها في مرآة القاعة. كان هناك جرح بليغ في رأسها ما زال ينزف دما.
كان والدها رون وبعض أفراد الأسرة في غرفة المعيشة على وشك تناول طعام الغداء لحظة وصولها، فأخبرتهم بما جرى لها والدم يسيل من الجرح الذي في رأسها.
تقول روز: “اتصل والدي بالشرطة على الفور، وحاول تخفيف الهم عني مباشرة، بيد أن الآخرين لاموني على الخروج في وقت متأخر”.
وفي غرفة الطوارئ استقبل طبيب وضابط شرطة روز التي قالت “لقد تعامل الاثنان معي بطريقة غاية في الجفاء، وخالية من العواطف والإحساس”.
سألها رجل الشرطة إن كان الأمر قد تم بالتراضي. وهل كان مجرد ليلة خرجت عن المألوف.
تقول روز إنها صعقت عند سماع أسئلته. وتضيف “حدث ذلك على الرغم من تعرضي لضرب مبرح لا يمكن تصوره وإلى طعن، وكنت أنزف”.
وخلال السنوات القليلة اللاحقة، اعتادت روز غالبا أن تغرق في العالم الرقمي مبتعدة عن العالم الواقعي. فاستغرقت في الكتابة، لتعبر عن نفسها في المدونات ووسائل التواصل الاجتماعي، لتكتب باسمها حيناً وبأسماء مستعارة حيناً آخر.
المنشورات عن الموقع الإباحي
وفي أحد الأيام في نهاية العام 2019، شاهدت عدداً من المنشورات عن الموقع الإباحي (Pornhub ).عندما كانت تقلب في المنشورات على صفحاتها في مواقع التواصل الاجتماعي. كان الناس يثنون عليه لتقديمه تبرعات لجمعيات خيرية للحفاظ على النحل، وإضافة تسهيلات توضيحية على الموقع للمشاهدين الصمّ، والتبرع لمساعدة الجمعيات الخيرية التي ترعى الذين تعرضوا للعنف المنزلي، وتقديم منحة دراسية بمبلغ 25 ألف دولاراً للنساء الراغبات في دخول صناعة التكنولوجيا.
ووفقًا للموقع نفسه، ثمة 42 مليار زيارة له على الإنترنت في عام 2019، بزيادة قدرها 8.5 مليار عن العام السابق، وبمتوسط يومي يصل إلى حوالي 115 مليون. و 1200 عملية بحث في الثانية. وتقول روز: “من المستحيل أن يفوتك هذا الموقع إذا كنت من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي”.
وتضيف “لقد قاموا بعمل رائع في إظهار أنفسهم يؤدون مهمة “خيرة”، وأنهم تجاوزوا الإباحية تقريباً، ولكن لا تزال هناك مقاطع فيديو تحمل عناوين تشبه العناوين التي وُضعت لفيديوهاتي على الموقع. ولا توجد طريقة لمعرفة ما إذا كانت هناك مقاطع لعمليات اغتصاب لا تعلم ضحاياها بها”.
جماعة “نوت يور بورن”
وتشير إلى أنها قامت بتشكيل جماعة “نوت يور بورن” إثر تحميل ستة مقاطع فيديوهات جنسية لأحدى صديقاتها (وكان عمرها أقل من 16 عاماً)، على موقع بورن هاب.
وتضيف: “إن أكثر من 50 امرأة في المملكة المتحدة قلنَ لها خلال الأشهر الستة الماضية إنه تم نشر مقاطع فيديو جنسية لهن من دون موافقتهن على المواقع الإباحية، وإن ثلاثين منهن حُملت الفيديوهات عنهن في موقع بورن هاب”.
تداول الفيديو وتحميله في أي موقع آخر لمرات عديدة
وأشارت أيضا إلى أن موقع بورن هاب ومواقع أخرى تُمكِّن المشاهدين من تنزيل مقاطع الفيديو على أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم، لذلك، حتى لو تم حذف الفيديو من إحد هذه المواقع الإباحية، فمن السهل على المستخدمين تداول الفيديو وتحميله في أي موقع آخر لمرات عديدة.
وتقوم مجموعة”نوت يور بورن” بحملات تحض على تشريع قوانين في المملكة المتحدة من شأنها اعتبار مشاركة مقاطع الفيديو الإباحية غير الموافق عليها جريمة جنائية.
ترنو روز الآن إلى المستقبل، بعد أن التقت في أوائل العشرينات من عمرها بصديقها روبرت، الذي تقول إنه ساعدها على مناقشة الاعتداء الذي تعرضت له وطريقة التعامل معه. و تأمل في أن تتزوج قريباً وتنجب ابنة.
كما ترى أن كلبها، الذي سمته بيلا وهو من نوع بيتبول، يشكل مصدر قوة لها، وتقول: “لقد نشأت مع كلاب البيتبول، قد تحمل سمعة سيئة بأنها عدوانية ولكنها جميلة للغاية”.
وتضيف: “بصراحة إنها تصبح عدوانية فقط إذا تعرضت لإيذاء من البشر”.
محكومة بالسجن مدى الحياة
وتكمل “أشعر بأنني محكومة بالسجن مدى الحياة بشتى الطرق، حتى هذه اللحظة، قد أكون في محل البقالة وأرى شخصا غريبا فأتساءل في قرارة نفسي عما إذا كان قد شاهد فيديو الاعتداء علي”.
لكن روز تقول إنها لم تعد ترغب بالبقاء صامتة بعد الآن.
التعليقات