اعجاز علمي مجرات دون ماده سوداء

اكتُشف حديثًا 19 مجرةً قزمة dwarf galaxies تخلو من وجود المادة المظلمة ، والفيزيائيون غير متأكدين من سبب ذلك.

يزيد هذا الاكتشاف عدد المجرات التي تخلو من المادة المظلمة، هذا الشيء الغامض غير المرئي، فهي مادة لا تُصدر ضوءًا ولا تعكسه، وإنما يُستدَل على وجودها من تأثير جاذبيتها على المواد الأخرى. يُعتقد أن المادة المظلمة هي المفتاح الأساسي لتكوُّن المجرات، إذ تجتمع ذرات الغاز معًا تحت تأثير جاذبيتها لتكوِّن المجرات.

يُستدَل على وجود المادة المظلمة في المجرة عندما نرى الأجرام تدور أسرع من المفترض بناءً على كمية المادة العادية الموجودة بالمجرة، وقد رصدنا هذه الظاهرة في العديد من المجرات التي تمكنّا من قياس المادة العادية فيها بدقة. اكتشف الباحثون حديثًا 19 مجرة صغيرة، يدل دورانها على احتوائها على المادة العادية (الباريونية baryons) فقط، ويظل سبب خلوها من المادة المظلمة غير معروف.

قال كايل أومان Kyle Oman الفيزيائي الفلكي بجامعة دورهام Durham: «هذا أكبر عدد مُكتشَف من المجرات الخالية من المادة المظلمة، لكنه ليس الاكتشاف الأول من نوعه».

أما أكبر اكتشاف لغياب المادة المظلمة فكان في مارس من عام 2018، إذ قاد بيتر فان دوكوم Pieter van Dokkum الفيزيائي الفلكي بجامعة ييل Yale ، فريقه لاكتشاف أن متوسط سرعة العناقيد الكروية في مجرةNGC 1052-DF2 يتوافق مع المادة الباريونية الموجودة بالمجرة فحسب، وإن شكك الكثيرون في صحة هذه النتائج.

يشبه ذلك الاكتشاف الأخير لكن مع اختلاف أسلوب البحث، إذ استخدم الفريق في الدراسة الأخيرة أسلوب تحديد حركة ذرات الهيدروجين في المجرات، ووجدوا أن دوران سحب الغاز في تلك المجرات البعيدة، البالغ عددها 19 مجرة، هي سرعة طبيعية متوافقة مع كتلة المادة الباريونية بالمجرة، دون أي تأثير لكتلة المادة المظلمة، ما يدل على خلو هذه المجرات منها.

وصرح تيل سوالا Till Sawala الفيزيائي الفلكي بجامعة هيلسينكي: «تُعَد طريقة منحنيات دوران الهيدروجين أدق من طريقة فان دوكوم وفريقه، ومع ذلك تظل النتائج غير مؤكدة، هذه مشكلة لم نجد حلًا لها بعد».

أضاف أومان: «مثلًا إذا كان قياس زاوية المجرة محل الدراسة بالنسبة إلى الأرض غير صحيح، فقد يؤدي هذا إلى خلل في الحسابات».

وأشار سوالا إلى إن أحداثًا مثل المستعرات العظمى supernovas، قد تسرع دوران الغاز في المجرات العادية، ما يخلق منحنيات دوران تظهر للأرض كما تظهر تلك المجرات المُكتشَفة حديثًا. على كل حال فنحن في حاجة إلى المزيد من العمل لتأكيد خلو هذه المجرات من المادة المظلمة، وهذا ما أكده جميع الخبراء بمن فيهم مؤلف الدراسة.

لكن إذا تبين أن بعض المجرات تخلو بالفعل من المادة المظلمة، فتلك مشكلة تهدد نظرياتنا الحالية حول نشأة الكون.

يشرح الفيزيائيون آلية تشكل الكون باستخدام نموذج لمدا للمادة المظلمة الباردة Lambda cold dark matter (ΛCDM). يحدد هذا النموذج ثلاث سمات أساسية للكون: الثابت الكوني، والمادة المظلمة، والطاقة المظلمة.

وفقًا لسوالا، يشرح نموذج لمدا للمادة المظلمة الباردة طريقة تكون المجرات، لكن ليس بوسعنا تفسير كيفية تكون المجرات الخالية من المادة المظلمة باستخدام هذا النموذج.

يقول أومان: «بوسع النموذج تفسير بعض الظواهر الموجودة، مثل المجرات القزمة الموجودة وسط العنقود المجري، فهي محاطة بالعديد من مصادر الجاذبية التي ربما طردت مادتها المظلمة بعيدًا، ولكن بعض المجرات الأخرى لا يحيط بها أي من مصادر الجاذبية، وهو ما يُعَد تفسيره تحديًا حقيقيًّا».

يعد بعض الباحثين وجود مجرات خالية من المادة المظلمة ضربةً قاضيةً في المعركة بين نموذج لمدا للمادة المظلمة والنظرية المعروفة باسم ديناميكا نيوتن المعدلة Modified Newtonian Dynamics (MOND)، إذ ترفض تلك النظرية فكرة وجود المادة المظلمة لصالح فيزياء الجاذبية. ولأن الجاذبية يجب أن توجد في كل مكان في الكون، تتوقع تلك النظرية أن ما نسميه بالمادة المظلمة يجب أن يكون في كل مكان في الكون أيضًا، ويتضمن ذلك جميع المجرات.

ولكن إذا كانت هذه المجرات تخالف ديناميكا نيوتن المعدلة فهي تخالف نموذج لمدا للمادة المظلمة الباردة أيضًا، لذلك فهي ليست ضربةً قاضيةً حقًا لديناميكا نيوتن المعدلة.

يرى فريق من العلماء إن الطريقة الوحيدة لمعرفة ما يجري بعيدًا في تلك المجرات، هي دراستها بتفصيل أكثر باستخدام طرق مختلفة، للتأكد من أن تلك الظواهر التي نراها تحدث هناك بالفعل.