ابتكار ورقة نبات مُصنعة تستخدم ضوء الشمس لتحويل ثاني أكسيد الكربون إلى وقود – لا شك أن تغير المناخ مشكلة جدية آخذة في التدهور، وفق تقرير اللجنة الدولية للتغيرات المناخية IPCC، إنه حتى لو أصبحت جميع الدول الصناعية في العالم محايدة الكربون carbon neutral، فستظل المشكلة تتفاقم.
مصطلح محايدة الكربون
(يعني مصطلح محايدة الكربون أن تصبح كمية ثاني أكسيد الكربون التي تصدر من العمليات المختلفة للكائنات الحية إلى الجو كالتنفس وغيرها مساوية لكمية ثاني أكسيد الكربون المُستهلَكة، مثلما يفعل النبات في عملية البناء الضوئي).
يعني هذا إن توقف الأنسان عن ضخ آلاف الأطنان من ثاني أكسيد الكربون في الجو ليس كافيًا، بل ينبغى لنا البدء بإزالة ثاني أكسيد الكربون الموجود بالفعل.
قدرتها على امتصاص الكربون
هنا يأتي دور تقنية احتجاز الكربون carbon capture. ابتكر فريق من الباحثين بجامعة أونتاريو ورقةً مُصنعة تحاكي ورقة النبات الطبيعية في قدرتها على امتصاص الكربون، ولكن بدلًا من تحويله إلى مصدر للوقود الذاتي، تحول هذه الورقة المُصنعة ثاني أكسيد الكربون إلى وقود بديل يمكن استخدامه، ونُشر البحث حديثًا في مجلة Nature Energy.
قاد البحث ييمن وو Yimin A. Wu، الباحث بمركز المواد النانومترية بمختبر أرجون الوطني في إلينوي ANL، ويضم فريقه باحثين من جامعة نورثريدج بكاليفورنيا وجامعة هونغ كونغ.
تفاعل الجلوكوز
تستخدم النباتات طبيعيًّا ثاني أكسيد الكربون الموجود في الجو مع الماء لإنتاج الجلوكوز والأكسجين فيما يعرف بعملية التمثيل الضوئي photosynthesis، وذلك بواسطة صبغ الكلوروفيل الذي يمتص العديد من الأطوال الموجية لضوء الشمس لإمداد التفاعلات الكيميائية بالطاقة، بعد ذلك يستخدم النبات الجلوكوز مصدرًا للطاقة، مُطلقًا الأكسجين.
استخدم وو وفريقه نفس الفكرة لتصميم ورقة نبات اصطناعية تقوم بعملية مشابهة، لكنها تنتج مركبات مختلفة: «نسميها الورقة الاصطناعية artificial leaf لأنها تحاكي عملية التمثيل الغذائي في الأوراق الطبيعية، وتطلق الأكسجين أيضًا، لكن في حين تنتج الورقة الطبيعية الجلوكوز، تنتج ورقتنا الميثانول»
تعتمد التقنية على مركب أكسيد النحاس cuprous oxide، وهو مسحوق أحمر رخيص عُدل كيميائيًّا ليحتوي أكبر عدد ممكن من الجزيئات الثُمانيّة. ينتج هذا المسحوق عن تفاعل الجلوكوز وأسيتات النحاس وهيدروكسيد الصوديوم وكبريتات دوديسيل الصوديوم مع الماء الساخن عند درجة حرارة معينة.
يُضاف المسحوق (ليعمل بمثابة عامل حفاز catalyst) إلى الماء، ويُضخ ثاني أكسيد الكربون مع توجيه شعاع ضوء يحاكي ضوء الشمس على المحلول، ينتج الميثانول عن تفاعل ثاني أكسيد الكربون مع الماء في وجود العامل الحفاز، ويتصاعد غاز الأكسجين، ولأن نقطة غليان الميثانول أقل من الماء، يمكن فصله بتسخين المحلول وتجميعه بعد أن يتبخر.
أوراق بلاستيكية تمتص ثاني أكسيد الكربون
يشبه ذلك بحثًا أُجرى بجامعة كامبريدج، إذ طور الباحثون جهازًا يحتوي ممصات ضوء من الكوبالت، يحول الماء وثاني أكسيد الكربون في وجود ضوء الشمس إلى syngas وهو خليط من غازي الهيدروجين وأول أكسيد الكربون، يُستخدم في صناعة الوقود البديل والأدوية والبلاستيك والأسمدة.
ويشبه أيضًا نموذج الشجرة المُصنعة artificial tree الذي طوره كلاوس لاكنر Klaus Lackner بجامعة كولومبيا، وهي شجرة ذات أوراق بلاستيكية المغلفة بالراتنج، تمتص ثاني أكسيد الكربون من الجو أكثر 100 مرة من الأشجار الطبيعية، ثم توضع في الماء لإنتاج الوقود الحيوي.
تُعَد هذه العملية مثيرةً لسببين. أولًا إزالة ثاني أوكسيد الكربون -المساهم الرئيسي في ظاهرة الاحترار العالمي- من الجو، وبذلك نعطل مشكلة تغير المناخ. وثانيًا سيمكننا إنتاج الوقود البديل من الاعتماد على وسائل المواصلات غير الكهربية وقتًا أطول، ما سيوفر مزيدًا من الوقت لتغيير أسلوب معيشتنا وتقليل استهلاك الوقود الحفري.
ستُتخذ خطوات إضافية مستقبلًا لزيادة إنتاج الميثانول وتسويق التقنيات الحاصلة على براءة اختراع كي تُستخدم في الأغراض الصناعية. وستُساعد هذه التقنية على التخلص من ثنائي أكسيد الكربون الناتج عن العديد من مصادر التلوث، كوسائل النقل ومحطات توليد الطاقة وغيرها، إضافةً إلى إنتاج الوقود الحيوي في نفس الوقت.
يقول وو: «أنا متحمس للغاية لمدى قدرة هذا الاكتشاف على تغيير قواعد لعبة المناخ، فقد صار تغير المناخ مشكلةً ملحة، لكن بإمكاننا المساهمة في تقليل انبعاثات ثنائي أكسيد الكربون، وإنتاج الوقود البديل أيضًا».
التعليقات