أن المبذرين كانوا اخوان الشياطين

دعاء

VIP


تفسير بن كثير

لما ذكر تعالى بر الوالدين، عطف بذكر الإحسان إلى القرابة وصلة الأرحام، وفي الحديث: (أمك وأباك ثم أدناك أدناك)، وفي رواية: (ثم الأقرب فالأقرب) وفي الحديث: (من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أجله فليصل رحمه) وقوله: { ولا تبذر تبذيرا} لما أمر بالإنفاق نهى عن الإسراف فيه، بل يكون وسطاً كما قال في الآية الأخرى: { والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا} الآية، ثم قال منفراً عن التبذير والسرف: { إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين} : أي أشباههم في ذلك، قال ابن مسعود: التبذير الإنفاق في غير حق، وقال مجاهد: لو أنفق إنسان ماله في الحق لم يكن مبذراً، ولو أنفق مداً في غير حق كان مبذراً. وقال قتادة: التبذير النفقة في معصية اللّه تعالى، وفي غير الحق والفساد، وقوله: { إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين} : أي في التبذير والسفه، وترك طاعة اللّه وارتكاب معصيته، ولهذا قال: { وكان الشيطان لربه كفورا} : أي جحوداً، لأنه أنكر نعمة اللّه عليه ولم يعمل بطاعته، بل أقبل على معصيته ومخالفته، وقوله: { وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك} الآية: أي إذا سألك أقاربك ومن أمرناك بإعطائهم وليس عندك شيء وأعرضت عنهم لفقد النفقة { فقل لهم قولا ميسورا} أي عدهم وعداً بسهولة ولين إذا جاء رزق اللّه فسنصلكم إن شاء اللّه) هكذا فسره مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن وقتادة فسروا القول الميسور بالوعد .

تفسير الجلالين

{ إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين } أي على طريقتهم { وكان الشيطان لربه كفورا } شديد الكفر لنعمه فكذلك أخوه المبذر .

تفسير القرطبي

فيه ثلاث مسائل: الأولى: قوله تعالى { وآت ذا القربى حقه} أي كما راعيت حق الوالدين فصل الرحم، ثم تصدق على المسكين وابن السبيل. وقال علي بن الحسين في قوله تعالى { وآت ذا القربى حقه} هم قرابة النبي صلى الله عليه وسلم، أمر صلى الله عليه وسلم بإعطائهم حقوقهم من بيت المال، أي من سهم ذوي القربى من الغزو والغنيمة، ويكون خطابا للولاة أو من قام مقامهم. والحق في هذه الآية ما يتعين من صلة الرحم، وسد الخلة، والمواساة عند الحاجة بالمال، والمعونة بكل وجه. الثانية: قوله تعالى { ولا تبذر} أي لا تسرف في الإنفاق في غير حق. قال الشافعي رضي الله عنه : والتبذير إنفاق المال في غير حقه، ولا تبذير في عمل الخير. وهذا قول الجمهور. وقال أشهب عن مالك : التبذير هو أخذ المال من حقه ووضعه في غير حقه، وهو الإسراف، وهو حرام لقوله تعالى { إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين} وقوله { إخوان} يعني أنهم في حكمهم؛ إذ المبذر ساع في إفساد كالشياطين، أو أنهم يفعلون ما تسول لهم أنفسهم، أو أنهم يقرنون بهم غدا في النار؛ ثلاثة أقوال. والإخوان هنا جمع أخ من غير النسب؛ ومنه قوله تعالى { إنما المؤمنون إخوة} [الحجرات : 10]. وقوله تعالى { وكان الشيطان لربه كفورا} أي احذروا متابعته والتشبه به في الفساد. والشيطان اسم الجنس. وقرأ الضحاك { إخوان الشيطان} على الانفراد، وكذلك ثبت في مصحف أنس بن مالك رضي الله عنه. الثالثة: من أنفق مال في الشهوات زائدا على قدر الحاجات وعرضه بذلك للنفاد فهو مبذر. ومن أنفق ربح مال في شهواته وحفظ الأصل أو الرقبة فليس بمبذر. ومن أنفق درهما في حرام فهو مبذر، ويحجر عليه في نفقته الدرهم في الحرام، ولا يحجر عليه إن بذله في الشهوات إلا إذا خيف عليه النفاد.

الشيخ الشعراوي - فيديو


سورة الاسراء الايات 24 - 29

تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي

كلمة (أخ) تُجمع على إخْوة وإخْوان..

وإخوة: تدلّ على أُخوّة النسب، كما في قوله تعالى:
{ وَجَآءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ.. }
[يوسف: 58]

وتدل أيضاً على أخوة الخير والورع والتقوى، كما في قوله تعالى:
{ إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ.. }
[الحجرات: 10]

ومنها قوله تعالى عن السيدة مريم:
{ يٰأُخْتَ هَارُونَ.. }
[مريم: 28]

والمقصود: هارون أخو موسى ـ عليهما السلام ـ وبينهما زمن طويل يقارب أحد عشر جيلاً، ومع ذلك سماهما القرآن إخوة أي أخوّة الورع والتقوى.

أما: إخوان: فتدل على أن قوماً اجتمعوا على مبدأ واحد، خيراً كان أو شراً، فتدلّ على الاجتماع في الخير، كما في قوله تعالى:
{ وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً }
[آل عمران: 103]

وقد تدل على الاجتماع في الشر، كما في قوله تعالى: { إِنَّ ٱلْمُبَذِّرِينَ كَانُوۤاْ إِخْوَانَ ٱلشَّيَاطِينِ } [الإسراء: 27]

فكأن المبذرين اجتمعوا مع الشياطين في هوية واحدة، ووُدٍّ واحد، وانتظمتهما صفات واحدة من الشر.

إذن: كلمة (إخْوَة) تدل على أُخُوّة النسب، وقد تتسامى لتدل على أُخوّة الإيمان التي تنهار أمام قوتها كل الأواصر. ونذكر هنا ما حدث في غزوة بدر بين أخويْنِ من أسرة واحدة هما " مصعب بن عمير " بعد أن آمن وهاجر إلى المدينة وخرج مع جيش المسلمين إلى بدر وأخوه " أبو عزيز " وكان ما يزال كافراً، وخرج مع جيش الكفار من مكة، والتقى الأخوان: المؤمن والكافر. " ومعلوم أن " مصعب بن عمير " كان من أغنى أغنياء مكة، وكان لا يرتدي إلا أفخر الثياب وألينها، ويتعطر بأثمن العطور حتى كانوا يسمونه مُدلَّل مكة، ثم بعد أنْ آمنَ تغيّر حاله وآثر الإيمان بالله على كل هذا الغنى والنعيم، ثم بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ليعلّم الناس أمور دينهم، وفي غزوة أحد رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتدي جلد شاة، فقال: " انظروا ما فعل الإيمان بأخيكم " ".

فماذا حدث بين الأخويْنِ المؤمن والكافر؟ وأيّ الصلات كانت أقوى: صلة الإيمان بالله، أم صلة النسب؟

لما دارتْ المعركة نظر مصعب، فإذا بأخيه وقد أَسَرَهُ أحد المسلمين اسمه " أبو اليَسرَ " فالتفتَ إليه. وقال: يا أبا اليَسَر أشدد على أسيرك، فأُمّه غنية، وسوف تفديه بمال كثير.

فنظر إليه " أبو عزيز " وقال: يا مصعب، أهذه وصاتك بأخيك، فقال له مصعب: هذا أخي دونك.

فأخوة الدين والإيمان أقوى وأمتن من أخوة النسب، وصدق الله تعالى حين قال:
{ إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ.. }
[الحجرات: 10] قوله: { إِخْوَانَ ٱلشَّيَاطِينِ.. } [الإسراء: 27]

أي: أن الحق تبارك وتعالى جعلهما شريكين في صفة واحدة هي التبذير والإسراف، فإنْ كان المبذّر قد أسرف في الإنفاق ووَضْع المال في غير حِلِّه وفي غير ضرورة. فإن الشيطانَ أسرف في المعصية، فلم يكتفِ بأن يكون عاصياً في ذاته، بل عدّى المعصية إلى غيره وأغوى بها وزيّنها؛ لذلك وصفه الحق سبحانه بقوله: { وَكَانَ ٱلشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً } [الإسراء: 27]

ليس كافراً فحسب، بل (كفور) وهي صيغة مبالغة من الكفر؛ لأنه كَفر وعمل على تكفير غيره.

ثم يقول الحق سبحانه: { وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ٱبْتِغَآءَ رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا... }.
 
المواضيع المتشابهة

radia

كاتب جيد
رد: أن المبذرين كانوا اخوان الشياطين

taif2312.gif
 

عاشقة الزهور

كاتب جيد جدا
رد: أن المبذرين كانوا اخوان الشياطين

بارك الله فيك على الموضوع القيم والمميز

وفي إنتظار جديدك الأروع والمميز

لك مني أجمل التحيات

وكل التوفيق لك يا رب
 

انجى محمد على

كاتب جديد
الف شكـــر لك




على الطرح الرائع

اثابك الله الاجروالثواب

وجزيت خيرا
وجعله في ميزان حسناتك
 

مواضيع مماثلة

أعلى